شروط الشيخ المرشد عند الإمام الجيلاني رضي الله عنه
قال سيدي وقرة عيني سلطان الأولياء والعارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه في القصيدة العينية المشهورة
وإن ساعد المقدور أو ساقك القضا إلى شيخ ٍ في الحقيقة بــارع
فـقـم في رضـاه واتبع مراده ودع كل ما من قبل كنت تسارع
ولا تعترض فيما جهلت من أمره عليه فإن الاعتراض تــنازع
ففي قصة الخضر الكريم كــفاية بقتل غلام ٍ والكـــليم يدافع
فلما أضاء الصبح عن ليل سـره وسـل حساماً للغياهب قاطـع
أقــام له العذر الكـــليم وإنه كــذلك علم القـوم فيه بدائع
لقد أسس الإمام الجيلاني رضي الله عنه طريقته وفق الكتاب والسنة ولم يحد عنهما قيد أنملة ووضع لها ضوابط شرعية لتكون منارة لكل مريد يسلك طريقته من بعده وحتى لا يكثر الشطط والنقصان والتغيير والابتداع ويدعي المشيخة من يقدر ومن لا يقدر ومن يعلم ومن لا يعلم . فوضع الشيخ رضي الله عنه ضوابط وشروط ينبغي أن تتوفر بالشيخ المرشد الذي يتصدر للإرشاد وهذه الشروط هي :
جاء في كتاب السير والمساعي ص208 هذه الأبيات المنسوبة للشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه .
إذا لم يكن للشيخ خمـس فوائـد وإلا فدجـالٌ يقــود إلى جهل
عليم بأحكام الشريعة ظـــاهراً ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل
ويظهر للورَّادِ بالبشر والقــرى ويخضع للمسكين بالقـول والفعل
فهذا هو الشيخ المعظم قـــدره عليم بأحكام الحـرام من الحــل
يهذب طـلاب الطــريق ونفسه مهذبـة من قبل ذو كـرم كلـي
لقد بين سيدي الشيخ رضي الله عنه في هذه الأبيات بعض
شروط الشيخ المربي وهي خمس . فإن لم تتوفر فيه فليس لديه الأهلية للإرشاد وهذه الشروط هي :
1. أن يكون عالماً بأحكام الشريعة والدين عالم بالحلال والحرام عالم بحدود الشرع وعالم بالسنة النبوية وعالم بما علم من الدين بالضرورة وهذا معنى قول الشيخ (عليم بأحكام الشريعة ظـــاهراً)
2. أن يكون عالماً بعلم الحقيقة والطريقة وعالم بأحوال القلوب والنفوس وطرق تزكيتها وخبير بأحوال السالكين وتدرجهم في الطريق إلى الله ويكون قد أخذ هذا العلم من شيخ مرشد كامل عبر سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول الشيخ (ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل)
3. أن يكون كريماً سخياً مع ضيوفه والسخاء من صفات رب العالمين ومن خلق الرسول الكريم والصالحين فلا يليق بالمرشد أن يكون بخيلاً كما جاء في الحديث ما جبل ولي الله إلا على السخاء وحسن الخلق فيكرم ضيوفه ورواد زاويته دون التقصير بحق ضيافتهم وأن تدوم البسمة على وجهه وان يكون رحب الصدر وهذا معنى قول الشيخ(ويظهر للورَّادِ بالبشر والقرى )
4. أن يكون متواضعاً للمؤمنين يخضع لهم بالقول والفعل وهذه الخصلة هي من خصال النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره الله فقال له (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر 88 وقال تعالى ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ لدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ َمْرُهُ فُرُطًا) الكهف 28 والتواضع هو من أحسن الصفات التي يتحلى بها المؤمن وينبغي على كل شيخ مرشد يتصدر للمشيخة أن يجعل نفسه خادماً للفقراء والمساكين وكان سيدي الشيخ رضي الله عنه معروفاً بتواضعه للفقراء وكان يجلس معهم ويطاعمهم ويتجنب مجالسة الأغنياء والكبراء والأمراء والوزراء إلا إذا أراد نصح لهم وهذا معنى قول الشيخ (ويخضع للمسكين بالقــول والفعل )
5. أن يكون قد ناجحاً في تربية المريدين وتزكية نفوسهم ولن يكون له هذا إلا إذا كان قد زكى نفسه قبل ذلك على يد شيخ خبير بارع وأن يكون قد أذن له بالإرشاد والمشيخة من قبل شيخه وفق سند متصل وهذا معنى قول الشيخ (يهذب طـلاب الطريق ونفسه مهذبـة من قبل ذو كــــرم كلـــــي )
جاء في كتاب قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر ص13 : ويقول الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه في بيان صفة الشيخ المرشد الكامل .لا يجوز لشيخ أن يجلس على سجادة النهاية ويتقلد بسيف العناية حتى يكمل فيه اثنتا عشرة خصلة :
· اثنتان من صفات الله تعالى وهما أن يكون الشيخ ستاراً غفاراً
· واثنتان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وهما أن يكون شفيقاً رفيقاً
· واثنتان من صفات أبي بكر رضي الله عنه وهما أن يكون صادقاً متصدقاً
· واثنتان من صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهما أن يكون أماراً نهاءً
· واثنتان من صفات عثمان بن عفان رضي الله عنه وهما أن يكون طعاماً للطعام ومصلياً بالليل والناس نيام
· واثنتان من صفات علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهما أن يكون عالماً شجاعاً
وقد ورد في كتاب الجني الداني في مناقب القطب الجيلاني للبرزنجي أن الشيخ رضي الله عنه كان يقول: لا يصلح لإرشاد الناس إلا من توفرت فيه ثلاث صفات :
· علم العلماء
· حكمة الحكماء
· سياسة الملوك
أخي السالك : أعتقد انه فيما ذكرنا وأوردنا عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه في صفات الشيخ المرشد ما يكون حجة على كل سالك منا وعلى كل شيخ مرشد يتصدر للإرشاد وقد جمع رضي الله عنه أعظم الصفات وأحسنها التي ينبغي لكل شيخ أن يتحلى بها وكلها مأخوذة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله الكريم صلى اله عليه وسلم. وقد وردت عنه آثار كثيرة في صفات الشيخ اكتفينا بهذا القدر منها فرضي الله عنه وأرضاه وأمدنا بمدده وأفاض علينا من بركته .